الموت / ليوجد انسان لا يموت

الحمد لله حمد الشاكرين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ..

وبعد عباد الله ..
فخطبتنا في هذه الجمعة عن ذلك الأمر العظيم الخطب الجليل والذي كل الناس ذائقه ..
ذلك الأمر الذي إن نزل بك أذهب رونق جسمك، وجمال وجهك،وحسن طلعتك وطلتك، حتى يقلبه شحوبا واصفرارا ..
إنه الموت عباد الله ..
قال الله ((كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)) ..
وقال جل شأنه (( وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ))
عبد الله ..
إن الموت هو الخطب الأفظع، والأمر الأشنع ..
وتأمل نفسك وقد حلت بك السكرات ونزل بك الأنين والغمرات،والناس حولك، فمن قائل يقول : إن فلانا قد أوصى وماله قد أحصى ومن قائل يقول : إن فلانا قد ثقل لسانه فلا يعرف جيرانه ولا يكلم إخوانه، وكأني أنظر إليك تسمع الخطاب ولا تقدر على رد الجواب ثم تبكي ابنتك كالأسيرة وتقول : حبيبي أبي من ليتمي بعدك؟ومن لحاجتي ؟ وأنت والله تسمع الكلام، ولا تقدر على رد الجواب ..
فأقبلت الصغرى تمرغ خدها على وجنتي حينا وحينا على صدري
وتمسح خدها وتبكي بحرقة تنادي:أبي إني غُلبت على الصبر
حبيبي أبي من لليتامى تركتهم كأفراخ طير في بُعيدٍ من الوكر

عباد الله : إن ألم الموت شديد ، فقد عانى منه خير البرية عليه الصلاة والسلام، فقد روت عائشة كما في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم في مرض موته كانت عنده ركوة فيها ماء فكان يدخل يده فيها ثم يمسح بها وجهه ويقول : لا اله إلا الله إن للموت لسكرات ..
قالت عائشة – رضي الله عنها – كما في الصحيح - : ما رأيت الوجع على أحد أشد منه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
وإنما يشدد على الأنبياء عليهم السلام أكثرُ من غيرهم، رفعةً لدرجاتهم،وتكميلاً لفضائلهم عند الله ،فقد روى الترمذي وابن ماجة وغيرهما من حديث سعد بن أبي وقاص قال قلت يا رسول الله أي الناس أشد بلاء قال الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى العبد على حسب دينه فإن كان في دينه صلبا اشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه من خطيئة .

ولما مرض أبو بكر مرض الموت دخلت عليه ابنته عائشة،فلما ثقل قالت :
لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر
فكشف أبو بكر عن وجهه – رضي الله عنه – وقال: ليس كذلك، ولكن قولي (( وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ))..
ذكر القرطبي – رحمه الله - في "التذكرة" أن عمرو بن العاص لما حضرته الوفاة قال له ابنه: يا ابتاه إنك كنت تقول : ليتني كنت ألقى رجلا عاقلا لبيبا عند نزول الموت حتى يصف لي ما يجد وانت ذلك الرجل فصف لي الموت ،، فقال بني : والله كأن جنبي في تخت، وكأني أتنفس من سم ابرة، وكأن غصن شوك يجذب من قدمي إلى هامتي، ثم حول وجهه وبكى وقال :
ليتني كنت قبل ما قد بدا لي في تلال الجبال أرعى الوعولا ..
وروى ابن أبي شيبة في مصنفه والإمام أحمد في كتاب الزهد من حديث جابر قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج فإنه كانت فيهم الأعاجيب . ثم أنشأ يحدث قال : خرجت طائفة من بني إسرائيل حتى أتوا مقبرة لهم من مقابرهم فقالوا : لو صلينا ركعتين ودعونا الله عز وجل أن يخرج لنا رجلا ممن قد مات نسأله عن الموت قال : ففعلوا . فبينما هم كذلك إذ أطلع رجل رأسه من قبر من تلك المقابر خلاسي ( أي أسمر اللون بين أعينه أثر السجود فقال : يا هؤلاء ما أردتم إلي ؟ فقد مت منذ مائة سنة فما سكنت عني حرارة الموت حتى كان الآن فادعو الله عز وجل لي يعيدني كما كنت ) ..
عباد الله ..
إن الشيطان أحرصَ ما يكون على إضلال العبد عند موته، فقد روى مسلم من حديث جابر – مرفوعا – إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه .. )) وهذا هو أخطر المواقف، وأصعبها،فهناك يزيغ من كتب الله له الشقاوة، فقد يأتي الشيطان للعبد في صورة أحب الناس إليه كأبيه، وأمه، فيقول له : يا بني مت على النصرانية فإنه خير الأديان، أو تقول له أمه : يا بني مت على اليهودية فإنه خير الأديان ..
ذكر صاحب كتاب التذكرة أن رجلا كان يحتضر فقيل له قل لا اله الا الله فكان يقول لا لا فلما أفاق سألوه فقال : أتاني شيطانان عن يميني وشمالي يقول أحدهما مت يهوديا فإنه خير الأديان ويقول الآخر مت نصرانيا فإنه خير الأديان فكنت أقول : لا لا ..
وليس هذا لازما لكل أحد فمن الناس من تعرض عليه الأديان ومنهم من لا تعرض عليه ،، أقول ما سمعتم وأستعفر الله العظيم ..
الخطبة الثانية ،،، الحمد لله وبعد
عباد الله ،، كل الناس ميت ولكن فرق بين ميتة السوء وميتة حسنة ..
يذكر بعض الوعاظ أن عجوزا بلغت الثمانين من عمرها في مدينة الرياض, هذه العجوز جلست مع النساء فرأت أنهن لا ينتفعن بأوقاتهن, جلساتهن في قيل وقال, في غيبة ونميمة, في فلانه قصيرة, وفلانه طويلة, وفلانه عندها كذا, وفلانه ليست عندها كذا, وفلانه طلقت وفلانه تزوجت..

كلام إن لم يبعدهن عن الله عز وجل فهو تضييع لأوقاتهن , فاعتزلت النساء وجلست في بيتها تذكر الله عز وجل أناء الليل وأطراف النهار, وكان أن وضعت لها سجاده في البيت تقوم من الليل أكثره
وفي ليله قامت ولها ولد بار بها لا تملك غير هذا الولد من هذه الدنيا بعد الله عز وجل, ما كان منها إلا أن قامت لتصلي في ليله من الليالي, وفي آخر الليل يقول ابنها: وإذا بها تنادي. قال: فتقدمت وذهبت إليها, فإذا هي ساجده على هيئة السجود, وتقول: يا بني ما يتحرك في الآن سوى لساني. قال: إذاً أذهب بك إلى المستشفى. قالت: لا, وانما اقعدني هنا. قال: لا والله لأذهبن بك إلى المستشفى. وقد كان حريصاً على برها جزاه الله خيراً, فأخذها وذهب بها إلى المستشفى. وتجمع الأطباء وقام كل يدلي بما لديه من الأسباب, لكن لاينجي حذر من قدر...
حللوا وفعلوا وعملوا ولكن الشفاء بيد الله سبحانهوتعالى وبحمده. قالت: أسألك بالله إلا رددتني على سجادتي في بيتي فأخذها وذهب بها إلى البيت, ويوم ذهب إلى البيت وضأها ثم أعادها على سجادتها, فقامت تصلي. يقول: وقبل الفجر بوقت ليس بطويل, وإذا به تناديني وتقول: يا بني أستودعك الله الذي لاتضيع ودائعه. أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله لتلفظ نفسها إلى بارئها سبحانه وتعالى, فما كان من ولدها إلا أن قام فغسلها وهي ساجده وكفنها وهي ساجده وحملوها إلى الصلاة عليها, وهي ساجده وحملوها بنعشها إلى القبر وهي ساجده, وجاؤوا بها إلى القبر, فزادوا في عرض القبر لتدفن وهي ساجده, ومن مات على شئ بعث عليه, تبعث بإذن ربها ساجده ..
.