التوكل على الله

الحمد لله حق حمده والصلاة والسلام على نبيه وعبده ..

عباد الله ...

روى الإمام احمد والترمذي من حديث عمر – رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو أنكم توكلون على الله تعالى حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا و تروح بطانا ..

عباد الله ..

هذا الحديث أصلٌ في التوكل على الله،وأنه من أعظم اسباب تُحصيل الخيرات، وتحقيق البركات.

وحقيقة التوكل – عباد الله - : هي الثقة بالله،وصدق الاعتماد عليه ،وان تعتقد بقلبك وروحك، أن الله وحده كافيك،وحافظك،وحاميك .

** إنه التوكل الذي جعل أمُ نبي الله موسى – عليه السلام - ترمي ولدها موسى في اليم لما خافت عليه من فرعون وملأه، ثقة بالله،وتوكلاً عليه .

قال الله: (( فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين)).

** إنه التوكل الذي جعل إبراهيم – عليه السلام – يخرج من ارض كنعان متوجهاً إلى وادٍ غير ذي زرع،لا يعرف فيه احداً ، لا يرى فيه شجراً ، لا يجد فيه ماءً، لكن الله امره أن يترك زوجته هاجر وولده إسماعيل هناك،فتوكل على الحي الذي يموت، فترك اسماعيل وهاجر هناك ليس معهم إلا جراباً فيه تمر، وسقاءً فيه ماء ، فلما قفل راجعاً ، نادته هاجر: يا ابراهيم، يا ابراهيم ، وهو لا يلتفت إليها ، يا ابراهيم يا ابراهيم ، وابراهيم لا يلتفت إليها- عليه السلام – فلما أبعد في المسير قالت له هاجر : يا ابراهيم آلله أمرك بهذا ؟؟ فأشار برأسه : أن نعم، فقالت هاجر – عليها السلام – إذن لا يضيعنا الله ..

ولا تدري أتعجب من توكل إبراهيم – عليه السلام – أم من تسليم هاجر .

روى البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم صلى الله عليه وسلم حين ألقي في النار وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا له : إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا : حسبنا الله ونعم الوكيل .

عباد الله ..

التوكل هو غاية الإيمان ومنتهاه ..

قال وهب بن منبه : الغاية القصوى التوكل .

وقال سعيد بن جبير : التوكل على الله جماع الإيمان .

عباد الله ..

التوكل يستلزم الأخذ بالأسباب، فإن الله أمر بالأخذ بالأسباب مع أمره بالتوكل،فالسعي بالأسباب بالجوارح طاعة لله، والتوكل بالقلب إيمان بالله،وثقة به .

يقول معاوية بن قرة : لقي عمر بن الخطاب ناسا من اليمن فقال من انتم فقالوا : نحن المتوكلون ، فقال : بل أنتم المتكلون، إنما المتوكل الذي يلقي حبه في الأرض ويتوكل على الله .

عباد الله ..

لقد جاء في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بيان فضل التوكل،فهو عبادة من أجل العبادات القلبية،و قربة من قرب الأنبياء والصالحين ،فهو أعلى مقامات التوحيد،وأرفعُ مراتب الإيمان .

** حيث جعل الله التوكل شرطاً في الإيمان فقال : )) "وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين )) ..

** وجعل الله المتوكلين هم أهل محبته فقال: (( "فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين)) .

** والمتوكلون من عباد الله في كفاية الله وحمايته،قال الله جل وعلا : ((ومن يتوكل على الله فهو حسبه)) .

يقول طاووس بن كيسان -وهو تلميذ بن عباس- : دخلت الحرم لأعتمر، فلما أديت العمرة جلست عند المقام بعد أن صليت ركعتين فالتفت إلى الناس والى البيت فإذا بجلبت الناس والسلاح والسيوف فالتفت فإذا الحجاج بن يوسف يقول طاووس فلما رأيت الحراب جلست في مكاني فبينما أنا جالس إذا برجل من أهل المدينة فقير زاهد عابد أقبل فطاف بالبيت ثم جاء ليصلي ركعتين فتعلق ثوبه بحربة من حراب جنود الحجاج فوقعت الحربة على الحجاج فاستوقفه الحجاج وقال له : من أنت ؟ قال مسلم قال من أين أنت قال : من اليمن قال كيف أخي عندكم _ وكان اخوة أميرا على اليمن _ قال الرجل : تركته بديناً بطيناً قال الحجاج : ما

سألتك عن صحته لكن عن عدله ؟ قال تركته غشوماً ظلوماً قال الحجاج أما أتدري انه أخي قال الرجل فمن أنت قال أنا الحجاج بن يوسف .. قال الرجل أتظن انه يعتز بك اكثر من اعتزازي بالله ؟ قال طاووس : فما بقيت في رأسي شعرة ألا قامت : قال فتركه الحجاج ...

"فالله خيرٌ حافظاً وهو ارحم الراحمين ..

الحمد لله وبعد ..

عباد الله ..

التوكل على الله هو حقيقة الإيمان، وهو سببٌ في دخول الجنة بلا حساب ولا عذاب .

روى البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس – رضي الله عنه - يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب هم الذين لا يسترقون و لا يتطيرون و لا يكتوون و على ربهم يتوكلون .

أسأل الله ان يجعلني وإياكم من المتوكلين